Jump to main content
IndustriALL logotype
Article placeholder image

العراق :لابد من وقف القمع ضد النقابات العمالية

Read this article in:

  • English

10 November, 2010بقلم/ مانفرد واردا الأمين العام للإتحاد الدولى لنقابات الكيماويات والطاقة والمناجم والأنشطة المرتبطة ICEM

إن السعى لمقاومة إجراءات التقشف المفروضة على الخدمات العامة وعمال القطاع العام، فى أعقاب الانهيار المالى إنما هو هدف نبيل ويستحق النضال. إلا أن الإتحادات النقابية الدولية بحاجة أيضا للنظر إلى بعض البلدان التى تشهد هجوما لانظير له على عمال القطاع العام والنقابين الذين خطوا بشجاعة لقيادة هؤلاء العمال.

وأشير هنا تحديدا إلى الوضع النقابى المقلق فى العراق والذى يتعذر تفسيره، حيث باتت عملية إعادة إعمار القطاعات الصناعية الأساسية والمملوكة للقطاع العام تمثل ثمنا باهظا يدفعه العمال العاديين وهؤلاء الرجال والنساء الشجعان الذين يقودون مسيرة العمال نحو بناء مجتمع ديمقراطى حقيقى.

يحظر النشاط النقابى فى القطاع العام العراقى والذى يمثل نحو 80% تقريبا من مجموع الصناعات ، و حتى مع تدفق الاستثمارات الأجنبية وحتمية خصخصة قطاعات صناعية محددة، لم يتغير من الأمر شيئا ولا يزال العمل النقابى نشاطا محظورا. حيث يبقى الإنضمام للنقابات العمالية أمرا مخالفا للقانون، تماما كما كان الحال فى عهد الديكتاتور صدام حسين. هذا بالإضافة إلى أنه فى عام 2005 وبعد مرورعامين على حكم قوات الاحتلال صدر القرار رقم 8750 الذى يقضى بحرمان النقابات العمالية من الإحتفاظ بأى ممتلكات أو فتح أية حسابات مصرفية أو تحصيل رسوم إشتراكات من العمال.

إنه من غير المعقول أن تمر سبع سنوات على سقوط صدام حسين و23 سنة على إصداره القانون العام (سيىء السمعة) والذى يحظر كل الأنشطة النقابية فى القطاع العام، ولا تزال العراق حتى الأن بدون إطار قانونى يحكم العلاقات الصناعية ويتفق مع معايير منظمة العمل الدولية. كما أنه من المؤسف أيضا أن يبقى هذا الحظرالذى ساد فى عهد صدام ضمن أحد القوانين القليلة التى لم تصححها سلطات الاحتلال بعد وصولها للسلطة.

لقد قامت الحكومة العراقية المؤقتة بإعادة صياغة الدستور فى عام 2005. حيث تقضى المادة رقم 22 من هذا الدستور بإصدار قانون عمل جديد للدفاع عن حقوق العمال فى تكوين النقابات والمفاوضة الجماعية. ولكنه نظرا للجمود السياسى وغياب الإرادة لدى السياسين العراقين فى كل الأحزاب السياسية وكذلك عدم إكتراث حكومة الولايات المتحدة ، فإن مجلس النواب العراقى لم يلتفت إلى قانون العمل والضمان الاجتماعى الذى أعدته منظمة العمل الدولية.

وعلى العكس فقد إتجه أعضاء مجلس الوزراء إلى إتخاذ قرارات وزارية بغلق مكاتب النقابات العمالية ومصادرة كافة المواد والمعدات والمستندات. وكان أخر هذة الأوامر ذلك الذى صدر مؤخرا فى شهر يوليو الماضى، ضد كل النقابات التى تسعى إلى العمل فى قطاع الطاقة الكهربائية . ذلك القرار الذى تم تنفيذه فى يوم واحد فقط، الأمر الذى يوحى بجدية الحكومة فى كبح جماح النقابات العمالية وربما أيضا هو إشارة لجذب الإستثمارات الأجنبية.

كما صدر أيضا تهديد إبان غلق مكاتب نقابات الكهرباء، يحذر العمال والقيادات النقابية من التعرض للسجن إذا ما حاولوا الإحتجاج على عمليات الإغلاق هذه، وذلك بموجب القانون العراقى لمكافحة الارهاب لعام 2005. ويأتى هذا بعد مرور شهور قليلة فقط على إصدار حكومة المالكى قرارا بمنع النقابين من السفر إلى الخارج بدون الحصول على "تأشيرة داخلية" من اللجنة الوزارية العليا تسمح لهم بذلك، وهو الأمر الذى يصعب الحصول عليه.
يأتى هذا بمثابة رد من الحكومة ضد النقابين العراقيين، والذين يمثلون مجموعة كبيرة من النقابات العمالية، بسبب قيامهم بالسفر خلال السنوات الماضية إلى الأردن ولبنان وأوربا وأمريكا للمشاركة فى دورات تدريبية نقابية وبرامج تنموية ترعاها وتدعمها بعض الجهات المانحة والمنظمات النقابية مثل الإتحاد الدولى ICEM ومجلس النقابات العمالية البريطانى ومركز التضامن الأمريكى التابع إلى إتحاد عمال أمريكا.

لقد أقر المؤتمر العالمى للإتحاد الدولى ICEM والذى إنعقد فى بانكوك عام 2007 أن تتضمن خطة العمل أولوية تنمية وتحقيق كامل الحقوق النقابية لكافة النقابات العمالية العراقية. كما تم التأكيد على ذلك خلال إجتماع اللجنة التنفيذية للإتحاد لعام 2010 ، حيث تم إعتماد قرار شديد اللهجة يدين الطرق القمعية التى إنتهجتها الحكومة العراقية مؤخرا. حيث تضمن القرار ما يلى " إننا نطالب بالإلغاء الفورى لكل القيود المفروضة على النشاط النقابى وسن تشريع عمالى عادل فى الحال يتفق تماما مع إتفاقيات منظمة العمل الدولية وينص على الحقوق الأساسية للإنسان والحقوق النقابية الأساسية المنصوص عليها فى الدستور العراقى " للإطلاع على البيان بالكامل.

ولمزيد من التأكيد، فقد قامت الإتحادات النقابية الدولية ومنظمات نقابية أخرى بتناول القضية من أجل تحقيق هذا الهدف. حيث عبرت خمس منظمات عمالية ضمت الإتحاد الدولى ICEM ومجلس النقابات العمالية البريطانى وإتحاد عمال أمريكا AFL-CIO والإتحاد الدولى للخدمات والإتحاد الدولى للتعليم، عن إدانتها للهجوم الشرس ضد النقابات العمالية فى العراق من خلال تنظيم وقفة أمام لجنة المعايير ضمن فعاليات الدورة 97 لمؤتمر العمل الدولى فى يونيو 2008.

ويفخر الاتحاد الدولى ICEM بالعمل الذى أنجزه مع النقابات العمالية العراقية وقادتها، علما بأننا جميعا على يقين أنه ما زال أمامنا المزيد لنقوم به. ونشعر أيضا بمزيد من الفخر تجاه القيادات النقابية العظيمة التى برزت داخل العراق لمواجهة ما قد يبدو أنه نزاعا وأمرا لايمكن التغلب عليه مع البدء فى كفاح نبيل يتسم بالمثابرة والتضحية بالنفس.

تعد السيدة/ هاشمية محسن السعدواى واحدة من تلك القيادات، فهى أول إمرأة تترأس نقابة عمالية فى العالم العربى وأحد القيادات الذين تم ترحليهم بالقوة من مكاتبهم بالبصرة فى يوليو الماضى حينما قامت الحكومة بإغلاق مكاتب النقابات العمالية بقطاع الكهرباء. وبإعتبارها رئيس نقابة عمال ومنتسبى الكهرباء فى البصرة، والمنتسبة لكلا من الاتحاد الدولى ICEM والاتحاد العام لعمال العراق، فقد حصلت السيدة هاشمية على جائزة فبيه اليزابيث فيلاسكيز وهى جائزة مرموقة يمنحها إتحاد عمال هولندا. تمنح هذة الجائزة جنبا الى جنب مع مبلغ مالى، للزعماء النقابيين الذين يتكبدون المخاطر من أجل الدفاع عن حقوق العمال فى البلاد التى تنتهك فيها الحقوق بصورة مستمرة. ورغم أنها تعيش فى بلد يسودها الفقر مثل العراق ، إلا أن ما فعلته بالجائزة المالية كان أكثر مثالية: فقد طورت دليلا تدريبيا لإطلاق حملة الضمان الاجتماعى العراقى من أجل تعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة كوسيلة لخلق فرص العمل وتعزيز العمل اللائق والصحة والتعليم وتحسين ظروف المعيشة. ذلك التوجه الذى يؤكد عليه الاتحاد الدولى بإعتباره السبيل الذى يمكن من خلاله بناء الدولة.

وهناك العديد من القادة النقابين الذين وقفوا بشجاعة فى وجه القمع، وهم الذين ندين لهم بتعبئة السخط والغضب الدولى تجاه ما يحدث لهم داخل العراق. فلقد تم إعتقال البعض منهم وكذلك تنفيذ الإبعاد القسرى عن العمل بحق أخرين ونقلهم بعيدا عن زملائهم فى العمل وأسرهم إلى مواقع عمل نائية وذلك لقيامهم بقيادة إحتجاجات ضد تقليص الرواتب أواستقطاع الحصص الغذائية أو حجب المستحقات الإجتماعية العامة.

وسأكون مقصرا إذا لم أذكر عشرات القادة النقاببن العراقيين الذين دفعوا حياتهم ثمنا وبذلوا أقصى التضحيات فى سبيل عملهم النقابي. هؤلاء القادة المتفانيين أمثال هادى صالح (اتحاد نقابات العمال العراقى) وشكرى الشكرى مؤسس إتحاد نقابات العمال العراقى وعلى حسن عبد (نقابة عمال النفط والغاز) و د.عدنان العبد وهو أكاديمى ومستشار الاتحاد العام لعمال العراق والذى قام بإستعراض قانون العمل المقترح من قبل منظمة العمل الدولية، ومؤيد حامد (الاتحاد العام لعمال العراق) وأحمد ادريس عباس (نقابة عمال النقل والاتصالات) وثابت حسين ( النقابة العامة لعمال قطاع الصحة) وناجم عبد الجاسم الأمين العام لنقابة عمال الميكانيكا وحسن حمزة رئيس نقابة عمال السياحة والفنادق ومجيد كريم عضو المجلس التنفيذى بالاتحاد العام لعمال العراق. كان هذا على سبيل المثال لا الحصر لهؤلاء الذين أغتيلوا فى سبيل النشاط النقابى.

إن الإغتيالات التى طالت الصحفيين أيضا قد تسببت وللأسف فى انتكاسة المجتمع المدنى فى العراق. فقد قتل فى غضون الأسابيع الأخيرة رياض السارى فى بغداد وصفاء الخياط فى الموصل وذلك بسبب عدم قدرة القتلة الجبناء على تحمل قيام مجتمع حر ومنفتح. ومن ثم بات إغتيال هذين الصحفيين بمثابة تذكير بأن حياة العامة فى العراق معرضة للخطرالمميت.

أصبح علينا أن نتساءل إلى أين وصلت العراق منذ الاطاحة بنظام صدام حسين؟ هل تدمير الحركة العمالية العراقية هو السبيل لضمان مجتمع مدنى مستقر يمكن أن تذدهر فيه مؤسسات ديمقراطية ؟ إن النقابات العمالية الحرة والديمقراطية تتصدى للإستغلال اللامحدود لموارد البلاد فى عصر الخصخصة الجشعة والليبرالية الجديدة.
إنه بعد مرور خمسة عقود على حياة القمع الشديد باتت الغالبية العظمى من المواطنين العراقيين ترغب فى حياة أفضل. حيث يسود داخل المجتمع العراقى شعورا وطنيا يعتبر الكهرباء وقطاع النفط وخطوط الغاز الطبيعى والموانىء والنقل وغيرها من الشركات بمثابة الخدمات العامة المتكاملة التى من شأنها أن تمثل ضمانات للسيادة والرفاهية الاقتصادية لجميع المواطنين.

قد يكون هناك جدلا طفيفا حول إعتبار الحرب واقعا يجعل من الخصخصة أكثر سهوله. ففى البداية تقوم بتدمير البنية الأساسية ثم بعد ذلك تعيد البناء من خلال إبرام عقود بدون اجراء مناقصات،على أن تمنح تلك العقود لبعض الشركات المستفيدة بعينها. لقد شهدت النقابات العراقية هذه التجربة على مدار السبع سنوات الماضية. وعلى ذلك فقد شنت النقابات حروبا مشروعة وبطولية ضد قوات الاستعمار الجديدة من أجل الدفاع عن حقوقهم الأصيلة. ومن ثم فإن الاتحادات النقابية الدولية مثل الاتحاد الدولى ICEM تقر بأن هذه التجربة هى مثال واضح وجلى عما تعنيه الحركة النقابية فى القطاع العام. كما نتعهد بمواصلة إتخاذ اللازم من أجل مساعدة النقابات العمالية العراقية للفوز فى المعركة.